فصل: أركانه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: علم أصول الفقه



.بعض شبه نفاة القياس:

* من أظهر شبههم قولهم: إن القياس مبنى على الظن بأن علة حكم النص هي كذا والمبنى على الظن ظني، والله سبحانه نعي على من يتبعون الظن، وقال سبحانه: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، فلا يصح الحكم بالقياس لأنه اتباع الظن.
وهذه شبهة واهية، لأن المنهي عنه هو اتباع الظن في العقيدة، وأما في الأحكام العملية فأكثر أدلتها ظنية، ولو اعتبرت هذه الشبهة لا يعمل بالنصوص الظنية الدالة لأنه اتباع للظن، وهذا باطل بالاتفاق، لان أكثر النصوص ظنية الدلالة.
*ومن أظهر شبههم قولهم: إن القياس مبني على اختلاف الأنظار في تعليل الأحكام فهو مثار اختلاف الأحكام وتناقضها، والشرع الحكيم لا تناقض بين أحكامه.
وهذه شبه أوهي من سابقتها لأن الاختلاف بناء على القياس ليس اختلاف في العقيدة أو في أصل من أصول الدين، وإنما هو اختلاف في أحكام جزئية عملية لا يؤدي الاختلاف فيها إلى أية مفسدة بل ربما كان رحمة بالناس وفيه مصلحتهم.
* ومن أظهر شبههم عبارات نقلوها عن بعض الصحابة ذموا فيها الرأي والقول في الأحكام بالرأي، مثل قول عمر: إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداد السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي، فضلوا وأظلوا.
هذه الآثار فوق أنها غير موثوق بها ليس المراد منها إنكار القياس أو الاحتجاج به، وإنما المراد منها النهي عن اتباع الهوى، والرأي الذي ليس له مرجع من النصوص.

.أركانه:

كل قياس يتكون من أركان أربعة:
الأصل: وهو ما ورد بحكمه نص، ويسمى: المقيس عليه، والمحمول عليه والمشبه به.
والفرع: وهو ما لم يرد بحكمه نص، ويراد تسويته بالأصل في حكمه، ويسمى: المقيس، والمحمول عليه، والمشبه.
وحكم الأصل: وهو الحكم الشرعي الذي ورد به النص في الأصل، ويراد أن يكون حكما للفرد.
والعلة: وهي الوصف الذي بني عليه حكم الأصل وبناء على وجوده في الفرع يسوى بالأصل في حكمه.
فشرب الخمر أصل لأنه ورد نص بحكمه وهو قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوهُ} الدال على تحريم شربه لعلة هي الإسكار، ونبيذ التمر فرع لأنه لم يرد نص بحكمه، وقد ساوى الخمر في أن كلا منهما مسكر، فسوى به في أن يحرم. والأشياء الستة: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح: أصل، لأنه ورد النص بتحريم ربا الفضل والنسيئة فيها إذا بيع كل واحد منها بجنسه، لعله هي أنها مقدرات مضبوط قدرها بالوزن أو الكيل مع اتحاد الجنس، والذرة والأرز والفول فرع لأنه لم يرد نص بحكمها، وقد ساوت الأشياء الواردة بالنص في أنها مقدرات فسويت بها في حكمها في حين المبادلة بجنسها.
أما الركنان الأوّلان من هذه الأركان الأربعة، وهما: الأصل والفرع، فهما واقعتان، أو محلان، أو أمران، أحدهما دل على حكمه نص، والآخر لم يدل على حكمه نص ويراد معرفة حكمه، ولا تشترط فيهما شروط سوى أن الأصل ثبت حكمه بنص والفرع لم يثبت حكمه بنص ولا إجماع، ولا يوجد فارق يمنع من تساويهما في الحكم.
وأما الركن الثالث وهو حكم الأصل: فتشترط لتعديته إلى الفرع شروط، لأنه ليس كل حكم شرعي ثبت بالنص في واقعة يصح أن يعدَّى بواسطة القياس إلى واقعة أخرى؛ بل تشترط في الحكم الذي يعدَّى إلى الفرع بالقياس شروط:
الأول: أن يكون حكما شرعيا عمليا ثبت بالنص:
فأما الحكم الشرعي العملي الذي ثبت بالإجماع ففي تعديته بواسطة القياس رأيان:
أحدهما: أنه لا يصح تعديته، وهذا هو الذي أرجحه لأن الإجماع كما هو مقرر لا يلتزم فيه أن يذكر مع الحكم المجمع عليه مستنده، ومن غير ذكر المستند لا سبيل إلى إدراك علة الحكم فلا يمكن القياس على الحكم المجمع عليه، وهذا على فرض وجود حكم أجمع عليه بمعنى الإجماع في اصطلاح الأصوليين.
وثانيهما: أنه يصح تعديته، قال الشوكاني: وهذا أصح القولين.
وأما الحكم الشرعي الذي ثبت بالقياس فلا يصح تعديته أصلا لأن الفرع إن كان يساوي ما ثبت فيه الحكم بالقياس في العلة فهو يساوي واقعة النص في نفس العلة ويكون المعدي بالقياس هو حكم النص، وإن كان لا يساويه في العلة فلا يصح أن يساويه في الحكم. وعلى هذا لا يصح أن يقال حرم نبيذ التفاح قياسا على نبيذ التمر الثابت حكمه بالقياس على الخمر، ويكون تحريمه بالقياس على الخمر لا على نبيذ التمر، وإن كان لا يساويه في الإسكار فلا يساويه في التحريم.
الثاني: أن يكون حكم الأصل مما للعقل سبيل إلى إدراك علته، لأنه إذا كان لا سبيل للعقل على إدراك علته لا يمكن أن يعدَّي بواسطة القياس لأن أساس القياس إدراك علة حكم الأصل، وإدراك تحققها في الفرع.
وتوضيح هذا الشرط: أن الأحكام الشرعية العلمية جميعها إنما شرعت لمصالح الناس والعلل بنيت عليها، وما شرّع حكم منها عبثا لغير علة، غير أن الأحكام نوعان:
أحكام استأثر الله بعلم عللها، ولم يمهد السبيل إلى إدراك هذه العلل ليبلوا عبادة ويختبرهم، وهم يمتثلون وينفذون ولو لم يدركوا ما بني عليه الحكم من علة وتسمى هذه الأحكام: التعبدية، أو غير المعقول المعنى. ومثالها: تحديد أعداد الركعات في الصلوات الخمس، وتحديد مقادير الأنصبة في الأموال التي تجب فيها الزكاة، ومقادير ما يجب فيها، ومقادير الحدود والكفّارات، وفروض أصحاب الفروض في الإرث.
وأحكام لم يستأثر الله بعلم عللها، بل أرشد العقول إلى عللها بنصوص أو بدلائل أخرى أقامها للاهتداء بها، وهذه تسمى: الأحكام المعقولة المعنى، وهذه هي التي يمكن أن تعدي من الأصل إلى غيره بواسطة القياس؛ سواء أكانت أحكاما مبتدأة أي ليست استثناء من أحكام كلية، كتحريم شرب الخمر الذي عدِّي بالقياس إلى شرب أي نبيذ مسكر، وتحريم الربا في القمح والشعير الذي عدِّي بالقياس إلى بيع الذرة والأرز، أم كانت أحكاما مستثناة من أحكام كلية كالترخيص في العرايا استثناء من بيع الجنس متفاضلاً، الذي عدي بالقياس إلى بيع العنب على الكرم بالزبيب. وبقاء الصوم مع أكل الصائم ناسيا استثناء من فساد الصوم بوصول غذاء إلى معدة الصائم الذي عدي بالقياس إلى أكل الصائم خطأ أو مكرها. وإلى بقاء الصلاة مع تكلم المصلي ناسيا، فالشريط لصحة تعديه حكم الأصل أن يكون معقول المعنى بلا فرق بين كونه حكما مبتدأ ليس استثناء من كونه حكم كلي وكونه حكما استثنائيا من حكم كلي، وأما إذا كان غير معقول المعنى فلا يصح تعديته سواء أكان حكما أصليا أم استثنائيا، وعلى هذا لا قياس في العبادات والحدود، وفروض الإرث وأعداد الركعات.
الثالث: أن يكون حكم الأصل غير مختص به، وأما إذا كان حكم الأصل مختصا به فلا يعدى بالقياس إلى غيره.
ولا يكون حكم الأصل مختصا به في حالتين:
الأولى: إذا كانت علة الحكم لا يتصور وجودها في غير الأصل، كقصر الصلاة للمسافر، فهذا حكم معقول المعنى لأن فيه دفع مشقة، ولكن علته السفر، والسفر لا يتصور وجوده في غير المسافة، وكذلك إباحة المسح على الخفين حكم معقول المعنى لأن فيه تيسير ورفع حرج، ولكن علته لبس الخفين ولا يتصور وجودها في غير لبسهما.
والثانية: إذا دلّ دليل على تخصيص حكم الأصل به، مثل الأحكام التي دل الدليل على أنها مختصة بالرسول، كتزوجه بأكثر من أربع زوجات، وتحرم الزواج بإحدى زوجاته بعد موته، ومثل الاكتفاء في القضاء بشهادة خزيمة بن ثابت وحده بقول الرسول: « من شهد له خزيمة فهو حسبه»، فإن النصوص التي وردت في القرآن والسنة دالة على أنه لا يباح التزوج بأكثر من أربع، وعلى أن المتوفى عنها زوجها بعض انقضاء عدتها يحل لها أن تتزوج، وعلى أن لابد في الشهادة من رجلين أو رجل وامرأتين، وهي أدلة على تخصيص الحكم بالرسول وبخزيمة.
وأما الركن الرابع، وهو علة القياس؛ فهذا هو أهم الأركان لأن علة القياس هي أساسه، وبحوثها هي أهم بحوث القياس، وهي كثيرة نقتصر منها على أربعة: تعريفها، وشروطها، وأقسامها، ومسالكها.

.تعريف العلة:

العلة: هي وصف في الأصل بني عليه حكمه ويعرف به وجود هذا الحكم في الفرع، فالإسكار وصف في الخمر بني عليه تحريمه، ويعرف به وجود التحريم في كل نبيذ مسكر، والاعتداء وصف في ابتياع الإنسان على ابتياع أخيه بني عليه تحريمه، ويعرف به وجود التحريم في استئجار الإنسان على استئجار أخيه، وهذا هو مراد الأصوليين بقولهم: العلة هي المعرف للحكم. وتسمى العلة: مناط الحكم، وسبب أمارته.
ومن المتفق عليه بين جمهور علماء المسلمين أن الله سبحانه ما شرع حكما إلا لمصلحة عبادة، وأن هذه المصلحة إما جلب نفع لهم، وإما دفع ضرر عنهم، فالباعث على تشريع أي حكم شرعي هو جلب منفعة للناس أو دفع ضرر عنهم، وهذا الباعث على تشريع الحكم هو الغاية المقصودة من تشريعه وهو حكمة الحكم، فإباحة الفطر للمريض في رمضان حكمته دفع المشقة عن المريض، واستحقاق الشفعة للشريك أو الجار حكمته دفع الضرر، وإيجاب القصاص من القاتل عمدا عدوانا حكمته حفظ حياة الناس، وإيجاب قطع يد السارق حكمته حفظ أموال الناس، وإباحة المعاوضات حكمتها دفع الحرج عن الناس بسد حاجاتهم، فحكمه كل حكم شرعي تحقيق مصلحة أو دفع مفسدة.
وكان المتبادر أن يبني كل حكم على حكمته، وأن يرتبط وجوده بوجودها وعدمه بعدمها، لأنها هي الباعث على تشريعه والغاية المقصودة منه، ولكن رُئي بالاستقراء أن الحكمة في تشريع بعض الأحكام قد تكون أمرا خفياً غير ظاهر، أي لا يجرك بحاسة من الحواس الظاهرة، فلا يمكن التحقق من وجوده ولا من عدم وجوده، ولا يمكن بناء الحكم عليه ولا ربط وجوده بوجوده وعدمه بعدمه، مثل إباحة المعاوضات التي حِكمتها دفع الحرج عن الناس بسد حاجاتهم، فالحاجة أمر خفي، ولا يمكن معرفة أن المعاوضة لحاجة أو لغير حاجة، ومثل ثبوت النسب بالزوجية الذي حكمته هو الاتصال الجنسي المفضي إلى حمل الزوجة من زوجها، وهذا أمر خفي لا يمكن الوقوف عليه.
وقد تكون الحكمة أمراً تقديرياً أي أمرا غير منضبط، فلا ينضبط بناء الحكم عليه ولا ربطه به وجودا وعدما. مثال هذا: إباحة الفطر في رمضان للمريض، حكمتها دفع المشقة، وهذا أمر تقديري يختلف باختلاف الناس وأحوالهم، فلو بني الحكم عليه لا ينضبط التكليف ولا يستقيم، وكذلك استحقاق الشفعة للشريك أو الجار حكمته دفع الضرر وهو أمر تقديري غير منضبط، فلأجل خفاء حكمة التشريع في بعض الأحكام، وعدم انضباطها في بعضها، لزم اعتبار أمر آخر يكون ظاهرها أو منضبطا يبني عليه الحكم ويربط وجوده بوجوده وعدمه بعدمه ويكون مناسبا لحكمته، بمعنى أنه مظنة لها وأن بناء الحكم عليه من شأنه أن يحققها؛ وهذا الأمر الظاهر المنضبط الذي بني الحكم عليه لأنه مظنة لحكمته، ولأن بناء الحكم عليه من شانه أن يحققها، هو المراد بالعلة في اصطلاح الأصوليين، فالفرق بين حكمة الحكم وعلته هو أن حكمة الحكم هي الباعث على تشريعه والغاية المقصودة منه، وهي المصلحة التي قصد الشارع بتشريع الحكم تحقيقا أو تكميلها، أو المفسدة التي قصد الشارع بتشريع الحكم دفعها أو تقليلها.
وأما علة الحكم فهي الأمر الظاهر المنضبط الذي بني الحكم عليه وربط به وجودا وعدما، لأن الشأن في بنائه عليه وربطه به أن يحقق حكمه تشريع الحكم، فقصر الصلاة الرباعية للمسافر حكمته التخفيف ودفع المشقة، وهذه الحكم أمر تقديري غير منضبط لا يمكن بناء الحكم عليه وجودا وعدما، فاعتبر الشارع السفر مناطا للحكم وهو أمر ظاهر منضبط وفي جعله مناطا للحكم مظنة تحقيق حكمته، لأن الشأن في السفر أنه توجد فيه بعض المشقات، فحكمة قصر الصلاة الرباعية للمسافر دفع المشقة عنه، وعلته السفر.
واستحقاق الشفعة بالشركة أو الجوار حكمته دفع الضرر عن الشريك أو الجار، وهذه الحكمة أمر تقديري غير منضبط، فاعتبرت الشركة أو الجوار مناط الحكم لأن كلا منها أمر ظاهر منضبط، وفي جعله مناطا للحكم مظنة تحقيق حكمته إذ الشأن أن الضرر ينال الشريك أو الجار، فحكمة استحقاق الشفعة دفع الضرر وعلته الشركة أو الجوار.
وإباحة المعاوضات حكمتها دفع الحرج عن الناس بسد حاجاتهم، وهذه الحكم أمر خفي، فاعتبرت صيغة العقد مناطا لحكمته لأنها أمر ظاهر منضبط وفي جعلها مناطا مظنة تحقيق الحكمة لأن الصيغة عنوان تراضي المتعاوضين بالمعاوضة والشأن في تراضيهما بها أن يكون عن حاجاتهما إليها، فحكمة نقل الملكية في البديلين البيع أو الإجارة سد الحاجة، وعلته صيغة عقد البيع والإجارة.
وعلى هذا فجميع الأحكام الشرعية تبني على عللها، أي ترتبط بها وجودا وعدما، لا على حكمها، ومعنى هذا أن الحكم الشرعي يوجد حيث توجد علته ولو تخلفت حكمته، وينتفي حيث تنتفي علته ولو وجدت حكمته، لأن الحكمة لخفائها في بعض الأحكام، ولعدم انضباطها في بعضها لا يمكن أن تكون أمارة على وجود الحكم أو عدمه، ولا يستقيم ميزان التكليف والتعامل إذا ربطت الأحكام بها.
فالشارع الحكيم لما اعتبر لكل حكم علة هي أمر ظاهر منضبط، يظن تحقق الحكمة بربط الحكم به جعل مناط الأحكام عللها، ليستقيم التكليف وتنسق أحكام المعاملات ويعرف ما يترتب على الأسباب من مسببات. وتخلف الحكمة في بعض الجزئيات لا أثر له بإزاء استقامة التكاليف واطراد الأحكام، لهذا قرر الأصوليون أن الأحكام الشرعية تدور وجودا وعدما مع عللها لا مع حكمها.
وبعبارة أخرى مناط الحكم الشرعي مظنته لا مئنته، فمن كان في رمضان على سفر يباح له الفطر لوجود علة إباحته وهي السف، وإن كان في سفرة لا يجد مشقة. ومن كان شريكا في العقار المبيع أو جارا له يستحق أخذه بالشفعة، لوجود علة استحقاقها وهي الشركة أو الجوار، وإن كان المشتري لا يخشى منه أي ضرر، ومن لم يكن شريكا في العقار المبيع ولا جارا له لا يستحق أخذه بالشفعة وإن كان لأي سبب من الأسباب يناله من شراء المشتري ضرر. ومن كان في رمضان غير مريض ولا مسافر لا يباح له الفطر وإن كان عاملا في محجر أو منجم ويجد من الصوم أقسى مشقة. ومن حصل على النهاية الصغرى في الامتحان نجح وإن لم يلم بالعلوم، ومن لم يحصل عليها لا ينجح وإن كان ملما بالعلوم.
وما دام الحكم الشرعي يبنى على علته لا على حكمته فعلى المجتهد حين القياس أن يتحقق من تساوى الأصل والفرع في العلة لا في الحكمة وعلى القاضي أن يقضي بالحكم حيث توجد العلة بصرف النظر عن الحكمة، فإذا قضي بالشفعة لغير شريك ولا جار بناء على أنه يناله الضرر من شراء هذا المشتري فهو خاطئ، وإذا رفض الحكم استحقاق الشفعة لشريك أو جار بناء على أنه لا ضرر عليه من شراء هذا المشتري فهو خاطئ.
ولكن في بعض الأحكام رُئي أن الحكم قد تخلف عن علته، فقد قرر الفقهاء أن بيع المكره باطل، فالعلة وهي صيغة العقد وجدت ولم يوجد الحكم وهو نقل الملكية، ونصت المادة 15 لسنة 1929م على أنه لا تسمع دعوى النسب عند الإنكار لولد زوجة ثبت عدم التلاقي بينهما وبين زوجات من حيث عقد العقد، فالزواج وجد ولم يوجد حكمه وهو ثبوت النسب.
والقاصر إذا بلغ 21 سنة ودلَّت القرائن على أنه غير رشيد لا تنتهي الولاية عليه مع وجود علة انتهائها وهو بلوغه سن الرشد. والحقيقة أن هذه الأحكام وأمثالها لا منافاة بينها وبين ما تقدم، لأننا قدمنا أن العلل الظاهرة المنضبطة إنما تبني الأحكام عليها على أساس أنها مظان لحكمها، وأن المظنة أقيمت مقام المئنة. لكن إذا قام الدليل على نفي أن يكون هذا الظاهر المنضبط مظنة لحكمة الحكم فقد دل على أساس العلة ولم يبق علة، فالإكراه على البيع نفي أن تكون الصيغة مظنة التراض الذي هو دليل الحاجة؛ فالصيغة من المكره ليست علة، والزوجية التي ثبت فيها أن الزوجين لم يلتقيا من حيث العقد لم تبق مظنة لأن تكون الزوجة حملت من زوجها فليست علة لثبوت النسب، وبلوغ 21 سنة لم يبق مظنة لحسن التصرف المالي مع دلائل عدم الرشد.
ومما ينبغي التنبيه له: أن بعض الأصوليين جعل العلة والسبب مترادفين ومعناهما واحدا، ولكن أكثرهم على غير هذا فعندهم كلُّ من العلة والسبب علامة على الحكم، وكل منهما بني الحكم عليه وربط به وجوداً وعدماً، وكل منهما للشارع حكمة في ربط الحكم به وبنائه عليه. ولكن إذا كانت المناسبة في هذا الربط مما تدركه عقولنا سمي الوصف: العلة، وسمي أيضا: السبب، وإن كانت مما لا تدركه عقولنا سمي السبب فقط ولا يسمى العلة. فالسفر لقصر الصلاة الرباعية علة وسبب، وأما غروب الشمس لإيجاب فريضة المغرب، وزوالها لإيجاب فريضة المغرب، وزوالها لإيجاب فريضة الظهر، وشهود رمضان لإيجاب صومه، فكل من هذه سبب لا علة، فكل علة سبب، وليس كل سبب علة.